الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4141 395 - حدثنا يحيى بن سليمان قال: أخبرني ابن وهب قال: حدثني عمر بن محمد أن أباه حدثه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نتحدث بحجة الوداع، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، ولا ندري ما حجة الوداع فحمد الله، وأثنى عليه ثم ذكر المسيح الدجال فأطنب في ذكره، وقال: ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته، أنذره نوح والنبيون من بعده، وإنه يخرج فيكم فما خفى عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم أن ربكم ليس على ما يخفى عليكم ثلاثا: إن ربكم ليس بأعور، وإنه أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافية، ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد ثلاثا، ويلكم! أو ويحكم انظروا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، ويحيى بن سليمان أبو سعيد الجعفي البخاري سكن مصر، وروى عن عبد الله بن وهب المصري، وعمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعمر هذا يروي عن أبيه محمد، ومحمد يروي عن جده عبد الله بن عمر.

                                                                                                                                                                                  وحديث محمد هذا أخرجه البخاري في مواضع بطرق مختلفة في الديات عن أبي الوليد، وفي الفتن عن حجاج بن منهال، وفي الأدب عن عبد الله بن عبد الوهاب، وفي الحدود عن محمد بن عبد الله، وفي الحج عن محمد بن المثنى، وأول حديثه قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بمنى: أتدرون أي يوم هذا؟ وأخرجه مسلم في الإيمان عن حرملة وغيره.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 40 ] وأخرجه أبو داود في السنة عن أبي الوليد به، وأخرجه النسائي في المحاربة عن أحمد بن عبد الله، وأخرجه ابن ماجه في الفتن عن دحيم مختصرا.

                                                                                                                                                                                  قوله: (كنا نتحدث بحجة الوداع) قوله: (والنبي صلى الله عليه وسلم) الواو فيه للحال.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ولا ندري ما حجة الوداع) لأنه صلى الله عليه وسلم كان ذكرها فتحدثوا بها، ولكنهم ما فهموا المراد من الوداع هل هو وداع النبي صلى الله عليه وسلم أم غيره حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم، فعلموا عند ذلك أنه وادع الناس بالوصايا التي أوصاها لهم قرب أيام موته منها.

                                                                                                                                                                                  قوله: (لا ترجعوا بعدي كفارا).

                                                                                                                                                                                  قوله: (فحمد الله، وأثنى عليه) فيه حذف، تقديره: ركب واجتمع الناس إليه، وخطب فحمد الله، وأثنى عليه، وفي رواية أبي نعيم في (المستخرج) "فحمد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم" الحديث، وحده، وأثنى عليه الله، وفي قصة الدجال وفيه "ألا إن الله حرم عليكم دماءكم" وهذه الخطبة كلها كانت في حجة الوداع.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فأطنب) أي طول.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أنذره نوح) إنما عين نوحا بتصريح اسمه بعد أن كان داخلا في قوله صلى الله عليه وسلم: "ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته" لأن نوحا ومن بعده خلق ثان؛ لأن من قبله هلكوا كلهم، ولم يبق إلا نوح، وأولاده الثلاثة يافث وسام وحام، وهو أب ثان، والأب الأول هو آدم عليه السلام.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وإنه) أي وإن الدجال يخرج فيكم أراد في أمته عند قرب الساعة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فما خفي عليكم) كلمة ما شرطية، أي: إن خفي عليكم بعض شأنه فلا يخفى عليكم أن ربكم ليس بأعور، والثاني بدل من الأول، أي: لا يخفى عليكم أنه ليس مما يخفى أنه ليس أعور، أو استئناف.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وإنه أعور عين اليمنى) وقد مر تفسير هذا في (باب: واذكر في الكتاب مريم) وكذلك تفسير قوله: (كأن عينه عنبة طافية) وقد ذكرنا أنه في رواية أخرى "أنه جاحظ العين كأنها كوكب" وفي أخرى "أنها ليست بناتية ولا حجراء" وهاهنا "إنه أعور عين اليمنى" وفي حديث حذيفة "إنه ممسوح العين عليها ظفرة غليظة" وفي حديث آخر: "إنه أعور عين اليسرى".

                                                                                                                                                                                  ووجه الجمع بين هذه الأوصاف المتنافرة أن يقدر فيها أن إحدى عينيه ذاهبة، والأخرى معيبة، فيصح أن يقال لكل واحدة: عوراء؛ إذ الأصل في العور العيب.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ألا إن الله) كلمة ألا للاستفتاح، وفيه معنى الحث على سماع ما يأتي.

                                                                                                                                                                                  قوله: (كحرمة يومكم هذا) قال الطيبي رحمه الله: هذا من تشبيه ما لم تجر به العادة بما جرت به العادة كما في قوله تعالى وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة كانوا يستبيحون دماءهم وأموالهم في الجاهلية في غير الأشهر الحرم، ويحرمونها فيها، كأنه قيل: إن دماءكم وأموالكم محرمة عليكم أبدا كحرمة يومكم وشهركم وبلدكم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ألا هل بلغت) بتشديد اللام.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ثلاثا) أي ثلاث مرات، وانتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف، أي: قاله قولا ثلاثا.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أو ويحكم) شك من الراوي، وكلمة "ويحكم" كلمة ترحم وتوجع، وقد يقال بمعنى المدح والتعجب، وانتصابه على المصدرية، ويستعمل مضافا وغير مضاف، والويل في الأصل الحزن والهلاك، ويستعمل عند التوجع والتعجب، وهاهنا هو المراد.

                                                                                                                                                                                  قوله: (لا ترجعوا بعدي كفارا) قال الكرماني: هو تشبيه أو هو من باب التغليظ، فهو مجاز، أو المراد معناه اللغوي، وهو التستر بالأسلحة، والأولى أنه على ظاهره، وهو النهي عن الارتداد، وأوله الخوارج بالكفر الذي هو الخروج عن الملة؛ إذ كل كبيرة عندهم كفر، ويقال معناه: لا تكن أفعالكم تشبه أعمال الكفار في ضرب رقاب المسلمين، ويقال: معناه إذا فارقت الدنيا فاثبتوا بعدي على ما أنتم عليه من الإيمان والتقوى، ولا تظلموا أحدا، ولا تحاربوا المسلمين، ولا تأخذوا أموالهم بالباطل، فإن هذه الأفعال من الضلالة والعدول عن الحق إلى الباطل.

                                                                                                                                                                                  قوله: (يضرب بعضكم رقاب بعض) جملة مستأنفة مبينة لقوله "لا ترجعوا بعدي كفارا".




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية