الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1516 1517 ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن أبي داود، قال ثنا يوسف بن عدي ، قال: ثنا ابن فضيل ، عن عبد الله بن سعيد ، عن جده ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "أن النبي - عليه السلام - كان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه".

                                                [ ص: 398 ] حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا ابن فضيل ، عن عبد الله بن سعيد ، عن جده، عن أبي هريرة أن النبي - عليه السلام - قال: "إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك بروك الفحل".

                                                قال أبو جعفر -رحمه الله-: فهذا خلاف ما روى الأعرج عن أبي هريرة، ومعنى هذا: لا يبرك على يديه كما يبرك البعير على يديه.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي احتج الجماعة الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث أبي هريرة هذا.

                                                وأخرجه بإسنادين فيهما عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري المدني ضعيف جدا، قال في "الميزان": واه. وقال ابن الجوزي: قال أحمد وعمرو بن علي: منكر الحديث متروكه. وقال أحمد مرة: ليس بذاك. وقال يحيى بن معين: ليس بشيء لا يكتب حديثه. وقال النسائي وعلي بن الجنيد: متروك.

                                                وجده أبو سعيد المقبري واسمه كيسان روى له الجماعة.

                                                وابن فضيل هو محمد بن فضيل بن غزوان أبو عبد الرحمن الكوفي، روى له الجماعة.

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه" : من حديث ابن فضيل ، عن عبد الله بن سعيد المقبري ، عن جده ... إلى آخره، نحوه، غير أن في لفظه: "بروك الجمل".

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : عن ابن فضيل ، عن عبد الله بن سعيد ، عن جده، عن أبي هريرة يرفعه ... إلى آخره، نحو رواية الطحاوي .

                                                وأخرجه الترمذي معلقا ، وقال: وقد روي هذا الحديث عن عبد الله بن سعيد ، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي - عليه السلام -.

                                                وعبد الله بن سعيد المقبري ضعفه يحيى القطان وغيره. انتهى.

                                                [ ص: 399 ] فهذا كما رأيت: عبد الله بن سعيد ، عن أبيه في رواية الترمذي، وفي رواية الطحاوي والبيهقي وابن أبي شيبة: عبد الله بن سعيد ، عن جده، واسم جده كيسان وقد ذكرناه، واسم أبيه سعيد بن أبي سعيد المقبري، يروي عن أبي هريرة وابن عمر، روى عنه مالك وابن أبي ذئب وعبد الرحمن بن إسحاق، وعن أحمد: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال أبو زرعة: مدني ثقة.

                                                قوله: "بروك الفحل" أي كبروك الفحل، وأراد به فحل الإبل، وفسره في رواية الترمذي حيث قال: بروك الجمل، والجمل الفحل من الإبل، وقال الفراء: الجمل زوج الناقة.

                                                قوله: "قال أبو جعفر ... إلى آخره" بيان ذلك أن هذه الرواية عن أبي هريرة تعارض رواية الأعرج عنه; لأن في رواية الأعرج: وضع اليدين أولا ثم الركبتين، وفي هذه الرواية: وضع الركبتين أولا ثم اليدين، وأشار الطحاوي إلى دفع المعارضة بقوله: ومعنى هذا: لا يبرك على يديه كما يبرك البعير على يديه، ولا يتم الكلام به على ما لا يخفى.

                                                والأحسن أن يقال في دفع المعارضة: إن هذه الرواية ضعيفة ومعلولة بعبد الله بن سعيد، ورواية الأعرج صحيحة، فلا مساواة بينهما فلا تعارض، ولكن يكون الحديث حينئذ حجة لأهل المقالة الأولى.

                                                فإن قيل: ما جواب أهل المقالة الثانية عن ذلك حينئذ؟

                                                قلت: قد قال بعضهم حديث الأعرج أيضا معلول; لأن البخاري قال: محمد بن عبد الله بن الحسن لا يتابع على حديثه، ولا أدري سمع من أبي الزناد أم لا؟

                                                فإن قيل: قول البخاري لا يتابع على حديثه ليس بصريح في الجرح، فلا يعارض توثيق النسائي إياه.

                                                [ ص: 400 ] قلت: ولئن سلمنا ذلك فحديث الأعرج منسوخ كما ذكره البعض، وقال ابن قدامة: وروي عن أبي سعيد قال: "كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأمرنا بوضع الركبتين قبل اليدين" وهذا يدل على نسخ ما تقدمه.

                                                والأحسن أن يقال في ذلك ما قاله الطحاوي: إن حديث أبي هريرة اختلف عنه، وحديث وائل لم يختلف عنه، والأخذ به أولى.

                                                وعن هذا قال الخطابي: حديث وائل بن حجر أثبت من حديث الأعرج عن أبي هريرة. والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية