الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1583 [ ص: 486 ] ص: قال أبو جعفر : -رحمه الله-: فذهب قوم إلى أن المصلي يسلم في صلاته تسليمة واحدة، تلقاء وجهه: السلام عليكم، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بالقوم هؤلاء: عمر بن عبد العزيز ، والحسن البصري ، ومحمد بن سيرين ، والأوزاعي ، ومالكا، فإنهم قالوا: التسليم في آخر الصلاة مرة واحدة. واحتجوا على ذلك بالحديث المذكور، ويحكى ذلك عن ابن عمر وأنس وسلمة بن الأكوع وعائشة.

                                                وقال عمار بن أبي عمار: "كان مسجد الأنصار يسلمون فيه تسليمتين، وكان المهاجرون يسلمون تسليمة واحدة".

                                                وقال ابن بطال: إنما حدثت التسليمتان زمن بني هاشم.

                                                وقال الطبري: هو مخير في الخروج بسلام أو بغيره.

                                                قلت: واحتج هؤلاء أيضا بحديث عائشة:

                                                أخرجه الترمذي : ثنا محمد بن يحيى النيسابوري، قال: نا عمرو بن أبي سلمة ، عن زهير بن محمد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن عائشة: "أن رسول الله - عليه السلام - كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه، يميل إلى الشق الأيمن شيئا". ثم قال: وفي الباب عن سهل بن سعد .

                                                قلت: وفي الباب عن سلمة بن الأكوع ، وأنس بن مالك ، وسمرة - رضي الله عنهم -.

                                                أما حديث سهل بن سعد، فأخرجه ابن ماجه : ثنا أبو مصعب المديني أحمد بن أبي بكر، ثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي ، عن أبيه، عن جده: "أن رسول الله - عليه السلام - سلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه".

                                                [ ص: 487 ] وأما حديث سلمة بن الأكوع فأخرجه ابن ماجه أيضا: ثنا محمد بن الحارث المصري، نا يحيى بن راشد ، عن يزيد مولى سلمة ، عن سلمة بن الأكوع قال: "رأيت رسول الله - عليه السلام - صلى فسلم مرة واحدة".

                                                وأما حديث أنس، فأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا يونس بن محمد، قال: ثنا جرير بن حازم ، عن أيوب ، عن أنس: "أن النبي - عليه السلام - سلم تسليمة واحدة".

                                                وأخرجه البيهقي : من حديث عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي، نا عبد الوهاب الثقفي ، عن حميد ، عن أنس: "أن النبي - عليه السلام - كان يسلم تسليمة واحدة".

                                                وأما حديث سمرة، فأخرجه البيهقي أيضا: من حديث نعيم بن حماد، ثنا روح بن عطاء بن أبي ميمونة ، عن أبيه، عن الحسن ، عن سمرة: "كان رسول الله - عليه السلام - يسلم في الصلاة تسليمة قبالة وجهه، فإذا سلم عن يمينه سلم عن يساره".

                                                والجواب: أن حديث عائشة قد تكلم فيه، فقال الترمذي: وحديث عائشة لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، قال محمد بن إسماعيل: زهير بن محمد أهل الشام يروون عنه مناكير، ورواية أهل العراق عنه أشبه وأصح.

                                                وقال أبو حاتم الرازي: هذا حديث منكر.

                                                وقال الذهبي في "مختصر سنن البيهقي": تفرد به زهير، وهو من مناكيره.

                                                وحديث سهل بن سعد، فقد قال أبو حاتم: عبد المهيمن بن عباس ضعيف الحديث.

                                                [ ص: 488 ] وحديث سلمة بن الأكوع فيه يحيى بن راشد وقد ضعفه النسائي .

                                                وحديث أنس فرد غريب، قاله الذهبي .

                                                وحديث سمرة فيه روح بن عطاء قال الذهبي: واه.

                                                ولئن سلمنا صحتها، ولكن معناها أنه - عليه السلام - كان يسمعهم التسليمة الواحدة، أو أن الأحاديث التي فيها التسليمتان تتضمن زيادة على تلك الأحاديث، والزيادة من الثقات مقبولة، أو نقول: يجوز أن يكون النبي - عليه السلام - فعل الأمرين; ليبين الجائز والمسنون.




                                                الخدمات العلمية