الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1750 ص: فإن قال قائل: فقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي - عليه السلام - أنه كان يوتر بواحدة; فذكر ما حدثنا أبو بكرة بكار ، عن أبي داود، قال: ثنا

                                                [ ص: 111 ] فليح بن سليمان، قال: ثنا محمد بن المنكدر ، عن عبد الرحمن التيمي ، قال: قلت: "لا يغلبني الليلة على المقام أحد، فقمت أصلي فوجدت حس رجل من خلفي في ظهري، فنظرت فإذا عثمان بن عفان ، - رضي الله عنه -، فتنحيت له فتقدم فاستفتح القرآن حتى ختم، ثم ركع وسجد، فقلت: أوهم الشيخ؟ فلما صلى قلت: يا أمير المؤمنين إنما صليت ركعة واحدة: قال: أجل، وهي وتري".

                                                قيل له: قد يجوز أن يكون عثمان - رضي الله عنه - يفصل بين شفعه ووتره فيكون قد صلى شفعه قبل ذلك ثم أوتر فيما رواه عبد الرحمن، . وفي إنكار عبد الرحمن فعل عثمان - رضي الله عنه - دليل على أن العادة التي كان جرى عليها قبل ذلك وعرفها إلى غير ما فعل عثمان، 5 وعبد الرحمن فله صحبة.

                                                فقد دخل بذلك المعنى في المعنى الأول.

                                                التالي السابق


                                                ش: تقرير السؤال أن يقال: إنكم قد ادعيتم أن الوتر ثلاث ركعات، وذكرتم فيها آثارا عن بعض الصحابة ما يدل على أن الوتر ثلاث، وعندنا أيضا آثار عن بعض الصحابة تعارض ما ذكرتم وتنافيه، منها الأثر الذي روي عن عثمان .

                                                أخرجه عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن فليح بن سليمان بن أبي المغيرة أبي يحيى المدني روى له الجماعة، عن محمد بن المنكدر بن عبد الله التيمي أبو بكر المدني روى له الجماعة، عن عبد الرحمن بن عثمان القرشي التيمي له صحبة، أسلم يوم الحديبية وقيل: يوم الفتح.

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه" : من حديث فليح ، عن محمد بن المنكدر، عن عبد الرحمن بن عثمان قال: قلت: "لأغلبن على المقام الليلة، فسبقت إليه، فبينما أنا قائم أصلي إذا رجل وضع يده على ظهري فنظرت فإذا عثمان -وهو يومئذ أمير- فتنحيت عنه، فقام فافتتح القرآن حتى فرغ منه، ثم ركع وجلس وتشهد وسلم في ركعة واحدة لم يزد عليها، فلما انصرف قلت: يا أمير المؤمنين، إنما صليت ركعة! قال: هي وتري".

                                                [ ص: 112 ] وتقرير الجواب: أنه قد يجوز أن يكون عثمان يفصل بين الركعة والركعتين بسلام فيكون في هذه الصورة قد صلى الركعتين قبل أن يراه عبد الرحمن التيمي ثم أوتر بعد ذلك بركعة واحدة، فيما رآه عبد الرحمن; فحينئذ لم يكن فيه دليل على أن الوتر ركعة واحدة، والمقصود نفي الإيتار بركعة واحدة فقط، وأما الفصل بين الركعتين والركعة بسلام فلا يضر كون الوتر ثلاثا، غاية ما في الباب أنه يكون بتسليمتين، وأيضا إنكار عبد الرحمن فعل عثمان هذا دليل على أن العادة في الوتر التي كان يعهدها عبد الرحمن غير ما فعله عثمان وإلا فلا مجال لإنكاره عليه بذلك، وعبد الرحمن أيضا صحابي كما ذكرنا ولإنكاره تأثير، فبهذا التأويل دخل معنى هذا الأثر في المعنى الأول وهو الذي ذكره بقوله: "فهؤلاء جميعا من أصحاب النبي - عليه السلام - كانوا يوترون بثلاث، منهم من كان يسلم في الاثنتين منهن ومنهم من كان لا يسلم" فكان عثمان - رضي الله عنه - ممن يسلم، وعبد الرحمن التيمي ممن لا يسلم، فافهم.

                                                قوله: "في المقام" أي القيام وهو مصدر ميمي، وأراد به قيام الليل.

                                                قوله: "فإذا عثمان" أي فإذا هو عثمان، وكلمة "إذا" للمفاجأة.

                                                قوله: "أوهم الشيخ" أراد به عثمان - رضي الله عنه -، والمعنى أسقط من صلاته شيئا، يقال: أوهمت الشيء إذا تركته، وأوهمت في الكلام والكتاب إذا أسقطت منه شيئا ووهم إذا غلط.

                                                قوله: "أجل" أي نعم.




                                                الخدمات العلمية