الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1842 1843 1844 ص: فإن قال قائل: فإن فعل ابن مسعود - رضي الله عنه - هذا الذي وصفنا بعد النبي - عليه السلام - يدل على أن ما عمل به من ذلك هو الناسخ.

                                                قيل له: فقد روي عن غير ابن مسعود من أصحاب النبي - عليه السلام - أنه فعل بعد موت النبي - عليه السلام - في ذلك مثل ما روى جابر وأنس - رضي الله عنهما -، فإن كان ما روي عن ابن مسعود من فعله بعد النبي - عليه السلام - دليلا عندك على أن ذلك هو الناسخ، كان ما روي عن غير ابن مسعود من ذلك دليلا عند خصمك على أن ذلك هو الناسخ.

                                                [ ص: 190 ] فمما روي عن غير ابن مسعود في ذلك ما حدثنا يونس، قال: ثنا سفيان ، عن الزهري ( خ).

                                                وحدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكا حدثه، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبيه قال: " جئت بالهاجرة إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فوجدته يصلي، فقمت عن شماله، فأخلفني فجعلني عن يمينه، ثم جاء يرفأ فتأخرت فصليت أنا وهو خلفه".

                                                حدثنا بكر بن إدريس ، قال: ثنا آدم بن أبي إياس ، قال: ثنا شعبة ، قال: ثنا محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، قال: سمعت سليمان بن يسار ، يقول: سمعت ابن عتبة ، يقول: "أقيمت الصلاة، وليس في المسجد أحد إلا المؤذن ورجل وعمر بن الخطاب ، فجعلهم عمر - رضي الله عنه - خلفه فصلى بهم".

                                                التالي السابق


                                                ش: السؤال والجواب ظاهران، وهو معارضة بالمثل.

                                                قوله: "فمما روي" أي فمن الذي روي عن غير ابن مسعود - رضي الله عنه - وهو ما رواه عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.

                                                وأخرجه من ثلاث طرق صحاح:

                                                الأول: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن سفيان بن عيينة ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أبيه عبد الله بن عتبة ... إلى آخره.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا ابن عيينة ، عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن أبيه قال: "أتيت عمر بن الخطاب وهو يصلي بالهاجرة، فقمت عن شماله فجعلني عن يمينه، فجاء يرفأ، فتأخرنا، فصرنا اثنين خلفه".

                                                [ ص: 191 ] الثاني: عن يونس أيضا، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك بن أنس ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبيه عبد الله ... إلى آخره.

                                                وأخرجه مالك في "موطإه" : عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود ، عن أبيه أنه قال: "دخلت على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بالهاجرة، فوجدته يسبح، فقمت وراءه، فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه، فلما جاء يرفأ تأخرنا، فصففنا وراءه".

                                                الثالث: عن بكر بن إدريس بن الحجاج أبي القاسم الأزدي الفقيه ، عن آدم بن أبي إياس التيمي -ويقال التميمي- شيخ البخاري ، عن شعبة ، عن محمد بن عبد الرحمن بن عبيد مولى آل طلحة القرشي الكوفي روى له الجماعة إلا البخاري ، عن سليمان بن يسار الهلالي أبي أيوب المدني روى له الجماعة، عن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي أبي عبد الرحمن المدني والد عبيد الله، أحد الفقهاء السبعة، روى له الجماعة غير الترمذي .

                                                قوله: "بالهاجرة" أراد بها وقت الظهر، ولكن رواية مالك تدل على أن المراد بها وقت الضحوة الكبرى، وهو وقت اشتداد الحر، وكان يصلي فيه الضحى; لأنه قال: "فوجدته يسبح" أي يتطوع ويتنفل.

                                                قوله: "فأخلفني" أي جعلني من خلفه إلى يمينه، بمعنى أدارني من خلفه إلى يمينه.

                                                قوله: "يرفأ" بفتح الياء آخر الحروف وسكون الراء المهملة وبالفاء بعدها ألف ساكنة، وهو مولى لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وكان حاجبه في خلافته.




                                                الخدمات العلمية