الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1947 1948 ص: حدثنا أبو خازم عبد الحميد بن عبد العزيز، قال: ثنا محمد بن بشار ، قال: ثنا معاذ بن هشام ، قال: ثنا أبي ، عن قتادة ، عن أبي قلابة ، عن قبيصة البجلي ، قال: " انكسفت الشمس على عهد النبي - عليه السلام - فصلى كما تصلون".

                                                [ ص: 345 ] حدثنا ابن أبي داود وفهد ، قالا: ثنا ابن معبد ، قال: ثنا عبيد الله ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن قبيصة الهلالي ، أو غيره: " : أن الشمس كسفت على عهد رسول الله - عليه السلام - فخرج فزعا يجر ثوبه وأنا معه يومئذ بالمدينة، ، فصلى ركعتين أطالهما ثم انصرف وتجلت الشمس، فقال: إنما هذه الآيات يخوف الله بها عباده، فإذا رأيتموها فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة". .

                                                التالي السابق


                                                ش: أخرج أولا: عن قبيصة البجلي، ثم عن قبيصة الهلالي، وكل منهما صحابي على ما ذكره البعض، وذكر أبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة" أولا قبيصة الهلالي فقال: سكن البصرة وروى عن النبي - عليه السلام - أحاديث.

                                                ثم ذكر قبيصة آخر فقال: قبيصة يقال: إنه البجلي، ويقال: الهلالي، سكن البصرة، وروى عن النبي - عليه السلام - حديثا.

                                                حدثنا أبو الربيع الزهراني، ثنا عبد الوارث، ثنا أيوب ، عن أبي قلابة ، عن قبيصة قال: "انكسفت الشمس على عهد رسول الله - عليه السلام -، فنادى في الناس، فصلى بهم ركعتين فأطال فيهما حتى انجلت الشمس فقال: إن هذه الآية تخويف يخوف الله تعالى بها عباده، فإذا رأيتم ذلك فصلوا كأخف صلاة صليتموها من المكتوبة".

                                                قال أبو القاسم: روى هذا الحديث عباد بن منصور ، عن أيوب ، عن أبي قلابة وزاد في إسناده: هلال بن عامر ، عن قبيصة الهلالي، حدثنيه إبراهيم بن سعيد الطبري، ثنا ريحان بن سعيد، ثنا عباد بن منصور ، عن أيوب ... وذكر الحديث.

                                                قال أبو القاسم: ولا أعلم لقبيصة الهلالي غير هذا الحديث، انتهى.

                                                وقال أبو نعيم: ذكر بعض المتأخرين قبيصة البجلي وهو عندي قبيصة بن المخارق الهلالي ، والبجلي وهم.

                                                قلت: كلام البغوي والطحاوي يدل على أنهما اثنان، وأن قبيصة الهلالي هو قبيصة بن المخارق بن عبد الله بن شداد بن معاوية بن أبي ربيعة بن نهيك بن [ ص: 346 ] هلال بن عامر بن صعصعة الهلالي البصري، وفي "التكميل": روى عنه ابنه قطن وكنانة بن نعيم وهلال بن عامر وأبو عثمان النهدي وأبو قلابة الجرمي .

                                                أما حديث قبيصة البجلي فأخرجه عن أبي خازم -بالخاء والزاي المعجمتين- عبد الحميد بن عبد العزيز ، عن محمد بن بشار ، عن معاذ بن هشام ، عن أبيه هشام الدستوائي ، عن قتادة ، عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ، عن قبيصة البجلي، وهذا إسناد صحيح.

                                                وأما حديث قبيصة الهلالي فأخرجه أيضا بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي وفهد بن سليمان، كلاهما عن علي بن معبد بن شداد ، عن عبيد الله ابن عمرو الرقي ، عن أيوب السختياني ، عن أبي قلابة ، عن قبيصة الهلالي .

                                                وأشار بقوله: "أو غيره" إلى النعمان بن بشير، كما قال هكذا في حديث النعمان بن بشير: أو غيره، وأشار به إلى قبيصة الهلالي، وإسناد كل منهما واحد برواة مذكورين في كل منهما.

                                                وأخرجه أبو داود : نا موسى بن إسماعيل، نا وهيب ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن قبيصة الهلالي قال: "كسفت الشمس على عهد رسول الله - عليه السلام - ... " إلى آخره نحو رواية الطحاوي غير أن في لفظه: "وانجلت".

                                                وأخرجه النسائي أيضا: أنا إبراهيم بن يعقوب، قال: ثنا عمرو بن عاصم، أن جده عبيد الله بن الوازع حدثه حديث أيوب السختياني ، عن أبي قلابة ، عن قبيصة بن مخارق الهلالي قال: "كسفت الشمس ونحن إذ ذاك مع رسول الله - عليه السلام - بالمدينة، فخرج فزعا يجر ثوبه، فصلى ركعتين أطالهما، فوافق انصرافه انجلاء الشمس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله،

                                                [ ص: 347 ] وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم من ذلك شيئا فصلوا كأحدث صلاة مكتوبة صليتموها".


                                                وأخرجه البيهقي في "سننه" ، والحاكم في "مستدركه" : وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

                                                وقال البيهقي: سقط بين أبي قلابة وقبيصة رجل وهو هلال بن عامر، انتهى.

                                                قلت: أشار بذلك إلى أن الحديث منقطع، وهو صرح أيضا بأن أبا قلابة لم يسمع قبيصة، ولكنه غير صحيح; لأنه صرح في "الكمال" وغيره أنه سمع قبيصة، وقال النووي في "الخلاصة": وهذا لا يقدح في صحة الحديث.

                                                قوله: "فزعا" بفتح الفاء وكسر الزاي من الصفات المشبهة.

                                                قوله: "يجر ثوبه" جملة حالية، وكذا قوله: "وأنا معه".

                                                قوله: "إنما هذه العلامات" وهي إشارة إلى كسوف الشمس وغيره نحو خسوف القمر والزلزلة وهبوب الريح الشديدة والظلمة الشديدة، ففي هذه كلها تشرع الصلاة.

                                                وقال ابن قدامة: قال أصحابنا: يصلى للزلزلة كصلاة الكسوف، نص عليه أحمد، وهو مذهب إسحاق وأبي ثور .

                                                قال القاضي: ولا يصلى للرجفة والريح الشديدة والظلمة ونحوها.

                                                وقال الآمدي: يصلى لذلك ولرمي الكواكب والصواعق وكثرة المطر، وحكاه عن ابن أبي موسى .

                                                وقال أصحاب الرأي: الصلاة لسائر الآيات حسنة.

                                                [ ص: 348 ] وقال مالك والشافعي: لا يصلى لشيء من الآيات سوى الكسوف; لأنه - عليه السلام - لم يصل لغيره.

                                                قلت: الحديث حجة عليهما; لأن قوله عليه السلام: "فإذا رأيتموها" أي الآيات عام يتناول كل ما ذكرنا، وقد أمر النبي - عليه السلام - بالصلاة عند هذه الأشياء، وأمره أقوى من فعله.

                                                وقال أبو عمر: وروي عن ابن عباس أنه صلى في زلزلة.

                                                وقال ابن مسعود: إذا سمعتم هادا من السماء فافزعوا إلى الصلاة.

                                                وقال أيضا: لم يأت عن النبي - عليه السلام - من وجه صحيح أن الزلزلة كانت في عصره ولا صحت عنه فيها سنة، وقد كانت أول ما كانت في الإسلام على عهد عمر - رضي الله عنه - فأنكرها وقال: أحدثتم والله، لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم" رواه ابن عيينة .

                                                قوله: "فصلوا كأحدث صلاة ... " إلى آخره يعني كأقرب صلاة، من حدث يحدث حدوثا وحدثانا، والحدث ضد القدم.

                                                وقال بعضهم: معناه: أن آية من هذه الآيات إذا وقعت مثلا بعد الصبح تصلى ويكون في كل ركعة ركوعان. وإن كانت بعد المغرب يكون في كل ركعة ثلاث ركوعات، وإن كانت بعد الرباعية يكون في كل ركعة أربع ركوعات.

                                                وقال بعضهم: معناه: أن آية من هذه الآيات إذا وقعت عقيب صلاة جهرية تصلى ويجهر فيها بالقراءة، وإن وقعت عقيب صلاة سرية تصلى ويخافت فيها بالقراءة.

                                                قلت: رواية البغوي "كأخف صلاة" تدل على أن المراد كأوقع صلاة من المكتوبة إلى الخفة وهي صلاة الصبح، وأراد به أنها تصلى ركعتان كصلاة الصبح، فافهم، والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية