الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1721 1722 1723 ص: وقد روي عن ابن عباس في الوتر أنه ثلاث.

                                                حدثنا روح بن الفرج ، قال: ثنا عبد الله بن محمد الفهمي ، قال: أنا ابن لهيعة ، عن عبد العزيز بن صالح ، عن أبي منصور قال: "سألت عبد الله بن عباس عن الوتر، فقال: ثلاث".

                                                [ ص: 83 ] وقال ابن لهيعة: وحدثني يزيد بن أبي حبيب، عن عمرو بن الوليد بن عبدة، عن أبي منصور بذلك.

                                                حدثنا يونس، قال: ثنا سفيان ، عن حصين ، عن أبي يحيى قال: " سمر المسور بن مخرمة وابن عباس حتى طلعت الحمراء، ثم نام ابن عباس: فلم يستيقظ إلا لأصوات أهل الزوراء، ، فقال لأصحابه: أتروني أدرك أصلي ثلاثا -يريد الوتر- وركعتي الفجر وصلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس؟ فقالوا: نعم، فصلى".

                                                وهذا في آخر وقت الفجر، فمحال أن يكون الوتر عنده يجزئ فيه أقل من ثلاث ثم يصليه حينئد ثلاثا مع ما يخاف من فوات الفجر، فدل ذلك على صحة ما صرفنا إليه معاني أحاديثه في الوتر أنه ثلاث.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قد روي عن ابن عباس من قوله ورأيه أن الوتر ثلاث ركعات، وذكر هذا تأكيدا لما قاله، وكان ما روينا عن ابن عباس -لما جمعت معانيه- يدل على أن النبي - عليه السلام - كان يوتر بثلاث; لأن قول ابن عباس: "الوتر ثلاث" يدل على أن كل ما روي عنه عن النبي - عليه السلام - من وتره ثلاث; لأنه لم يقل هو: إنه ثلاث. إلا وقد ثبت عنده أن وتره - عليه السلام - ثلاث.

                                                وأخرج ما روي عن ابن عباس من قوله: "إن الوتر ثلاث" من طريقين:

                                                الأول: عن روح بن الفرج القطان المصري شيخ الطبراني أيضا، عن عبد الله بن محمد الفهمي- يعرف بالبيطاري، وثقه أحمد بن صالح. قاله ابن أبي حاتم .

                                                وهو يروي عن عبد الله بن لهيعة المصري ، عن عبد العزيز بن صالح مولى بني أمية، ذكره ابن يونس في علماء مصر في باب "الكنى" وقال: ومن أهل المغرب: أبو منصور مولى ابن عباس، كان بأفريقية. وذكره ابن أبي حاتم وسكت عنه.

                                                وقوله: "قال ابن لهيعة: وحدثني يزيد بن أبي حبيب ... " إلى آخره، إشارة إلى أن عبد الله بن لهيعة روى هذا الأثر عن يزيد بن أبي حبيب المصري أيضا، عن عمرو بن الوليد بن عبدة مولى بني سهم ، عن أبي منصور بذلك.

                                                [ ص: 84 ] وعمرو بن الوليد هذا ذكره ابن يونس في علماء مصر وقال: يروي عن عبد الله بن عمرو ، وقيس بن سعد، روى عنه يزيد بن أبي حبيب، وذكره ابن ماكولا في باب "عبدة وعبدة"، فقال: وأما عبدة -بفتح العين والباء- في الآباء عمرو بن الوليد بن عبدة مولى عمرو بن العاص، يروي عن أبي عمرو، روى عنه يزيد بن أبي حبيب، حديثه في المصريين، وحضر أبوه الوليد فتح مصر. قاله ابن عفير. توفي عمرو سنة ثلاث ومائة وكان فقيها فاضلا، وتوفي أبوه الوليد بن عبدة سنة مائة.

                                                فإن قيل: أعل البيهقي طريق الطحاوي بابن لهيعة، وهو ضعيف.

                                                قلت: قد تقرر عند أهل الجرح والتعديل أن ابن لهيعة وثقه قوم منهم أحمد بن حنبل وكفى به معدلا، والطحاوي أيضا يعدله على أنه يمكن لا احتجاج، فافهم.

                                                الطريق الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى المصري ، عن حصين بن عبد الرحمن السلمي ، عن أبي يحيى الأعرج المعرقب واسمه مصدع مولى معاذ بن عفراء الأنصاري، ويقال: مولى عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن المسور بن مخرمة ابن نوفل الزهري الصحابي، له ولأبيه صحبة.

                                                و"السمر": هو الحديث بالليل.

                                                و"الحمراء": هي النجمة الحمراء التي تطلع قبل الفجر وهي نجمة مضيئة.

                                                و"الزوراء": بفتح الزاي المعجمة وسكون الواو وبالمد; موضع عند سوق المدينة قرب المسجد النبوي مرتفع كالمنارة.

                                                قوله: "وهذا في آخر وقت الفجر" أي قول ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أتروني أدرك أصلي ... " إلى آخره، إنما كان في آخر وقت الفجر، والباقي ظاهر.

                                                ومما يدل لهذا: أن الوتر لا يسقط بخروج وقته كسائر السنن المؤكدة، وهذا آية وجوبه; ولهذا قال أبو حنيفة: الوتر فرض. أي عملا، واجب علما، سنة سببا إنه إذا ذكره في الفجر يفسد، وإذا أعاد صلاة العشاء لفسادها لا يعيد وتره.




                                                الخدمات العلمية