الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1664 1665 1666 1667 ص: وحدثنا أحمد بن داود بن موسى ، قال: ثنا علي بن بحر القطان ، قال: ثنا الوليد بن مسلم ، عن الوضين بن عطاء، قال: أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر ، عن ابن عمر: " ، أنه كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة واحدة".

                                                وأخبر ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - عليه السلام - كان يفعل ذلك،
                                                . فقد أخبر أنه كان يصلي شفعا ووترا، ، وذلك في الجملة كله وتر، ، وقوله: "يفصل بتسليمة" يحتمل أن تكون تلك التسليمة يريد بها التشهد، ، ويحتمل أن يكون التسليم الذي يقطع الصلاة، فنظرنا في ذلك، فإذا يونس قد حدثنا، قال: أنا ابن وهب، أن مالكا حدثه، عن

                                                [ ص: 17 ] نافع: " أن عبد الله بن عمر كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته".

                                                حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال: ثنا سعيد بن منصور ، قال: ثنا هشيم ، عن منصور ، عن بكر بن عبد الله ، قال: "صلى ابن عمر ركعتين ثم قال: يا غلام، أرحل لنا، ثم قام فأوتر بركعة".

                                                ففي هذه الآثار أنه كان يوتر بثلاث ولكنه يفصل بين الواحدة والاثنتين، فقد اتفق عنه في الوتر أنه ثلاث.

                                                وقد جاء عنه من رأيه أيضا ما يدل على أن قول النبي - عليه السلام - الذي ذكرناه كما وصفنا أنه يحتمل من التأويل.

                                                حدثنا روح بن الفرج ، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، قال: حدثني بكر ابن مضر ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عقبة بن مسلم ، قال: " سألت عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - عن الوتر، ، فقال: أتعرف وتر النهار؟ قلت: نعم; صلاة المغرب، قال: صدقت -أو أحسنت- ثم قال: بينا نحن في المسجد، قام رجل فسأل رسول الله - عليه السلام - عن الوتر ، -أو عن صلاة الليل- فقال رسول الله - عليه السلام -: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة". .

                                                أفلا ترى أن ابن عمر حين سأله عقبة عن الوتر فقال: أتعرف وتر النهار؟ أي: هو كهو، وفي ذلك ما ينبئك أن الوتر كان عند ابن عمر ثلاثا كصلاة المغرب، إذ جعل جوابه لسائله عن وتر الليل: أتعرف وتر النهار؟ صلاة المغرب، ثم حدثه بعد ذلك عن النبي - عليه السلام - بما ذكرنا، فثبت أن قوله: " فأوتر بواحدة"، أي مع شيء تقدمها توتر بتلك الواحدة ما صليت قبلها، وكل ذلك وتر. .

                                                التالي السابق


                                                ش: أشار بهذا الكلام إلى إثبات ما ذكره من احتمال قوله - عليه السلام -: "الوتر ركعة"، وأن معناه ركعة مع شفع تقدمها، وإلى أن الوتر ثلاث ركعات كالمغرب، بيان ذلك: أنه أخرج عن أحمد بن داود المكي شيخ الطبراني أيضا، عن علي بن بحر [ ص: 18 ] القطان البغدادي، وثقه يحيى وأبو حاتم والعجلي والدارقطني والحاكم ، عن الوليد بن مسلم الدمشقي روى له الجماعة، عن الوضين بن عطاء بن كنانة الدمشقي، وعن أحمد: ليس به بأس، كان يرى القدر. وقال الجوزجاني: واهي الحديث. وقال ابن سعد: كان ضعيفا في الحديث، روى له أبو داود وابن ماجه ، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن عمر: "أنه كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة واحدة". ففيه شيئان:

                                                - أحدهما: أنه أخبر أنه كان يصلي شفعا ووترا وهذا كله وتر; لأنه ثلاث ركعات.

                                                - والآخر: أنه أخبر أنه كان يفصل بتسليمة واحدة فهذا يحتمل وجهين:

                                                أحدهما: أن يكون ذكر التسليم وأراد به التشهد من قبيل ذكر الشيء باسم ما يجاوره.

                                                والآخر: أن يكون المراد به التسليم الحقيقي الذي يقطع الصلاة، فنظرنا في ذلك فوجدنا يونس بن عبد الأعلى المصري قد روى عن عبد الله بن وهب المصري ، عن مالك ، عن نافع، عن عبد الله بن عمر: "كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته".

                                                وأخرجه البخاري معلقا، وقال: وعن نافع: "أن عبد الله بن عمر كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته".

                                                وأخرجه البيهقي مسندا: من طريق الشافعي ، عن مالك ، عن نافع .

                                                ووجدنا أيضا صالح بن عبد الرحمن قد روى عن سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني شيخ مسلم وأبي داود ، عن هشيم بن بشير ، عن منصور بن المعتمر ، عن بكر بن عبد الله المزني قال: "صلى ابن عمر ... " إلى آخره.

                                                [ ص: 19 ] وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا هشيم، قال: أنا منصور ، عن بكر بن عبد الله المزني: "أن ابن عمر صلى ركعتين ثم سلم، ثم قال: أدخلوا إلي ناقتي فلانة، ثم قام فأوتر بركعة".

                                                ففي هذين الأثرين أنه كان يوتر بثلاث ولكنه كان يفصل بين الواحدة والاثنتين بتسليمة، فثبت لنا أحد شقي المدعى; لأن المدعى شيئان:

                                                أحدهما: كون الوتر ثلاث ركعات.

                                                والآخر: كونه بتسليمة واحدة.

                                                ففيما ذكرنا ثبت أن الوتر ثلاث ركعات.

                                                وأما ثبوت الشق الآخر فبقول ابن عمر أيضا حين سأله عقبة بن مسلم عن الوتر فقال: "أتعرف وتر النهار؟ قلت: نعم، صلاة المغرب. قال: صدقت أو أحسنت".

                                                أخرجه بإسناد مصري صحيح، عن روح بن الفرج القطان المصري شيخ الطبراني أيضا، عن يحيى بن عبد الله بن بكير الدمشقي المصري شيخ البخاري وغيره، عن بكر بن مضر بن محمد أبي عبد الملك المصري ، عن جعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة المصري ، عن عقبة بن مسلم التجيبي أبي محمد المصري القاضي إمام مسجد الجامع العتيق بمصر، قال العجلي: مصري تابعي ثقة.

                                                وأخرجه الطبراني مقتصرا على قول النبي - عليه السلام - وقال: ثنا يحيى بن علي بن صالح ، ثنا إسحاق بن بكر بن مضر ، ثنا أبي ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عقبة بن مسلم قال: "سألت عبد الله بن عمر عن الوتر فقال: بينما نحن في المسجد، قام رجل فسأل رسول الله - عليه السلام - عن الوتر وعن صلاة الليل فقال: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا أصبحت وخشيت الصبح فأوتر بواحدة".

                                                [ ص: 20 ] ثم معنى قوله: "أتعرف وتر النهار" أن الوتر كصلاة المغرب، وصلاة المغرب ثلاث ركعات بتسليمة واحدة، فقوله هذا يدل على أن الوتر عنده ثلاث ركعات بتسليمة واحدة كصلاة المغرب.

                                                ودل هذا أيضا على أن المراد من قوله - عليه السلام -: "فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة"، أي مع شيء تقدمها ليكون بتلك الواحدة ما صلي قبلها وترا.

                                                وإنما قلنا: إن قول ابن عمر دل على هذا المعنى; لأنه لما قال لعقبة بن مسلم: أتعرف وتر النهار؟ قال عقيب ذلك: قال رسول الله - عليه السلام -: "صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة"، فحديثه بذلك عقيب جوابه لعقبة بما أجاب يدل على ما ذكرنا من المعنى المذكور.

                                                فإن قيل: قد جاء عن ابن عمر أنه كان يفصل في وتره بتسليمة فكيف تستدل على أنه بلا فصل -كالمغرب- بقوله لعقبة: "أتعرف وتر النهار"؟

                                                قلت: ذاك فعله وهذا قوله، والأخذ بالقول أولى; لأنه أقوى على ما عرف في موضعه، ومما يقوي ذلك: أن الحسن البصري حكى إجماع المسلمين على الثلاث بدون الفصل.

                                                فقال ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا حفص، حدثنا عمرو، عن الحسن قال: "أجمع المسلمون على أن الوتر ثلاث لا يسلم إلا في آخرهن".

                                                وأيضا فالذي جاء عن ابن عمر مما ذكر طريقه ضعيف; لأن فيه الوضين بن عطاء، ضعفه جماعة على ما ذكرناه، على أنه قد أنكره الحسن البصري على ما روى البيهقي في "سننه" : من حديث يزيد بن زريع، قال: ثنا حبيب المعلم قال: "قيل للحسن: إن ابن عمر كان يسلم في الركعتين من الوتر. فقال: كان عمر أفقه منه; كان ينهض في الثالثة بالتكبير".




                                                الخدمات العلمية