الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1949 1950 1951 ص: وأما قولهم: إن النبي - عليه السلام - قال: "فإذا رأيتم ذلك فصلوا حتى تنجلي".

                                                فقالوا: ففي هذا دليل على أنه لا ينبغي أن يقطع الصلاة إذا كان ذلك حتى تنجلي.

                                                فيقال لهم: فقد قال في بعض هذه الأحاديث: "فصلوا وادعوا حتى تنكشف".

                                                وقد حدثنا فهد ، قال: ثنا أحمد بن يونس ، قال: ثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن السائب ، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد -أراه قال: ولا لحياته- فإذا رأيتم ذلك فعليكم بذكر الله والصلاة". .

                                                حدثنا فهد ، قال: ثنا أبو كريب ، قال: ثنا أبو أسامة ، عن يزيد بن عبد الله ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: " خسفت الشمس على زمان النبي - عليه السلام -، فقام فزعا -يخشى أن تكون الساعة- حتى أتى المسجد، فقام فصلى أطول قيام وركوع وسجود ما رأيته يفعله في صلاة قط، ثم قال: إن هذه الآيات التي يرسل الله -عز وجل- لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله يرسلها يخوف الله بها عباده، فإذا رأيتم شيئا منها فافزعوا إلى ذكر الله تعالى ودعائه واستغفاره".

                                                فأمر النبي - عليه السلام - بالدعاء عندها والاستغفار كما أمر بالصلاة،
                                                . فدل ذلك أنه لم يرد منهم عند الكسوف الصلاة خاصة، ولكن أريد منهم ما يتقربون به إلى الله -عز وجل- من الصلاة والدعاء والاستغفار وغير ذلك.

                                                [ ص: 354 ] وقد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا الربيع بن يحيى الأشناني، قال: ثنا زائدة بن قدامة ، عن هشام بن عروة ، عن فاطمة ، عن أسماء قالت: " أمر النبي - عليه السلام - بالعتاقة عند الكسوف"، . فدل ذلك على ما ذكرناه.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا جواب عما أوردوه على قوله: "فكان قول النبي - عليه السلام - في حديث قبيصة ... " إلى آخره.

                                                تقرير السؤال أن يقال: إن قوله - عليه السلام -: "فإذا رأيتم ذلك فصلوا حتى تنجلي" يدل على أنه لا ينبغي أن تقطع الصلاة عند الكسوف ونحوه حتى تنجلي الشمس; لأن كلمة "حتى" للغاية، فينبغي أن يكون انتهاء الصلاة عند الانجلاء فتصلى إلى أن تنجلي، ولا يكون ذلك إلا بتكرار الركوع وتطويل الصلاة وعدم قطعها إلى الانجلاء.

                                                وتقرير الجواب أن يقال: قد ورد أيضا في بعض الأحاديث "فصلوا وادعوا حتى تنكشف"، وفي بعضها: "فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره"، فأمر - عليه السلام - بالصلاة ثم بالدعاء إلى الانجلاء; فدل ذلك على أنه - عليه السلام - لم يرد منهم مجرد الصلاة، بل أراد منهم ما يتقربون به إلى الله تعالى من الصلاة والدعاء والاستغفار وغير ذلك نحو الصدقة والعتاقة ونحوهما، ودل أيضا على أن الصلاة في ذلك موقتة معلومة لها وقت معلوم وعدد معلوم كما نص عليه حديث قبيصة، فبطل بذلك ما ذهب إليه من خالفه.

                                                ثم إنه أخرج ها هنا ثلاثة أحاديث -عن ثلاثة من الصحابة وهم عبد الله بن عمرو بن العاص ، وأبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس، وأسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - -تدل على ما ذكرنا من أنه - عليه السلام - لم يرد مجرد الصلاة.

                                                أما حديث عبد الله بن عمرو: فأخرجه عن فهد بن سليمان ، عن أحمد بن عبد الله بن يونس شيخ البخاري وأبي داود ، عن أبي بكر بن عياش الأسدي المقرئ الحناط -بالنون- الكوفي روى له الجماعة مسلم في مقدمة كتابه، عن أبي إسحاق [ ص: 355 ] عمرو بن عبد الله السبيعي روى له الجماعة، عن عبد الله بن السائب الشيباني، ذكره ابن أبي حاتم، وقال: يروي عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، وسمعت أبي يقول: هو مجهول.

                                                وأخرجه أبو يعلى في "مسنده" مطولا: ثنا زهير بن حرب، ثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - عليه السلام -: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، فإذا انكسفا فافزعوا إلى ذكر الله" مختصر من المطول.

                                                قوله: "فإذا رأيتم ذلك" أي كسوف الشمس والقمر.

                                                قوله: "فعليكم" أي الزموا ذكر الله تعالى والصلاة.

                                                وأما حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - فأخرجه بإسناد صحيح: عن فهد بن سليمان أيضا، عن أبي كريب محمد بن العلاء الهمداني الكوفي شيخ الجماعة في الكتب الستة، عن أبي أسامة حماد بن أسامة الكوفي روى له الجماعة، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد المدني روى له الجماعة، عن أبي بردة عامر بن أبي موسى الأشعري روى له الجماعة، عن أبي موسى الأشعري .

                                                وأخرجه البخاري : ثنا محمد بن العلاء، قال: ثنا أبو أسامة ... إلى آخره نحو رواية الطحاوي .

                                                وأخرجه مسلم والنسائي أيضا.

                                                قوله: "فزعا" حال، وكذا قوله: "يخشى".

                                                [ ص: 356 ] قوله: "فافزعوا" بالزاي المعجمة أي: الجئوا إلى الذكر والدعاء والاستغفار، واستعينوا بها على دفع الأمر الحادث، وأصل الفزع: الخوف ويوضع موضع الإغاثة والنصر والالتجاء; لأن من شأنه الإغاثة والنصر والالتجاء يكون مراقبا حذرا.

                                                وأما حديث أسماء فأخرجه أيضا بإسناد صحيح عن محمد بن خزيمة بن راشد ، عن الربيع بن يحيى الأشناني أبي الفضل البصري شيخ البخاري وأبي داود، ونسبته إلى بيع الأشنان، عن زائدة بن قدامة الثقفي الكوفي روى له الجماعة، عن هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام زوجة هشام بن عروة، روى لها الجماعة، عن أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما -.

                                                وأخرجه البخاري : ثنا ربيع بن يحيى، ثنا زائدة ... إلى آخره نحوه، غير أن لفظه: "كان النبي - عليه السلام - يأمرنا بالعتاقة في صلاة الكسوف".

                                                قوله: "بالعتاقة" بفتح العين، يقال: أعتق العبد يعتق -بكسر التاء- عتقا وعتاقا وعتاقة، وأعتقته أنا.




                                                الخدمات العلمية