الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1929 1930 1931 1932 1933 ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا ربيع المؤذن ، قال: ثنا أسد ، قال: ثنا حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: " كسفت الشمس على عهد النبي - عليه السلام - فقام بالناس فلم يكد يركع، ثم ركع فلم يكد يرفع، ثم رفع فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع، ثم رفع، وفعل في الثانية مثل ذلك، فرفع رأسه وقد أمحصت الشمس".

                                                [ ص: 332 ] حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد ... ، فذكر بإسناده مثله.

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا مؤمل ، قال: ثنا سفيان ، قال: ثنا يعلى بن عطاء ، عن أبيه ، وعطاء بن السائب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي - عليه السلام - مثله.

                                                حدثنا علي بن شيبة ، قال: ثنا قبيصة، قال: ثنا سفيان الثوري ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو ، قال: " انكسفت الشمس على عهد رسول الله - عليه السلام - فصلى ركعتين".

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا الحجاج بن إبراهيم ، قال: ثنا خالد بن عبد الله ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو: " أن النبي - عليه السلام - صلى في كسوف الشمس ركعتين وأربع سجدات، أطال فيهن القراءة والركوع والسجود". .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي احتج هؤلاء الجماعة الآخرون بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص .

                                                وأخرجه من خمس طرق:

                                                الأول: بإسناد جيد صحيح، عن ربيع بن سليمان المؤذن ، عن أسد بن موسى ، عن حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب -قالوا: إنه اختلط، فمن سمع منه قديما فهو صحيح وما سمع منه جرير فليس بصحيح. قاله يحيى بن معين .

                                                وأما السائب فهو ابن مالك الثقفي الكوفي وثقه ابن حبان .

                                                والدليل على صحة إسناده: أن الحاكم أخرجه في "مستدركه" وقال: صحيح ولم يخرجاه من أجل عطاء بن السائب .

                                                قلت: قد أخرج البخاري لعطاء هذا حديثا مقرونا بأبي بشر، وقال أيوب: هو ثقة.

                                                [ ص: 333 ] وأخرج أبو داود أيضا هذا الحديث وسكت عنه، فهذا دليل على صحته عنده كما هو قاعدته فقال: ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو قال: "انكسفت الشمس على عهد رسول الله - عليه السلام - فقام رسول الله - عليه السلام - فلم يكد يركع، ثم ركع فلم يكد يرفع، ثم رفع فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع، ثم رفع فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع، ثم رفع، وفعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، ثم نفخ في آخر سجوده، فقال: أف، أف. ثم قال: رب، ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم، ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون؟! ففرغ رسول الله - عليه السلام - من صلاته وقد أمحصت الشمس ... " وساق الحديث.

                                                قوله: "على عهد النبي - عليه السلام -" أي في زمانه وأيامه.

                                                قوله: "فلم يكد يركع" يعني لم يكد في القيام واقفا زمانا طويلا، ثم ركع فلم يكد يرفع رأسه يعني أنه أطال في الركوع.

                                                قوله: "ثم رفع" أي ثم رفع رأسه من الركوع فلم يكد يسجد ووقف زمانا طويلا، ثم سجد، فلم يكد يرفع رأسه من السجدة وقعد زمانا طويلا، ثم رفع رأسه، وفعل في الركعة الأخرى مثل ما فعل في الركعة الأولى.

                                                قوله: "وقد أمحصت الشمس" معناه: انجلت من الإمحاص، وأصل المحص: الخلوص، وقد محصته محصا إذا خلصته، والمحص هو إذا خلص، وقد يدغم فيقال امحص، ومنه تمحيص الذنوب وهو التطهير منها، وتمحص الظلمة: انكشافها وذهابها، وفي رواية "محضت الشمس" بالضاد المعجمة والمعنى: نصع لونها وخلص نورها، وكل شيء خلص حتى لا يشوبه شيء يخالطه فهو محض.

                                                [ ص: 334 ] الثاني: أيضا مثله، عن محمد بن خزيمة بن راشد ، عن الحجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده" : ثنا ابن فضيل ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو قال: "كسفت الشمس على عهد رسول الله - عليه السلام - فقام وقمنا معه، فأطال القيام حتى ظننا أنه ليس براكع ثم ركع فلم يكد يرفع رأسه، ثم رفع فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع رأسه، ثم جلس فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع رأسه، ثم فعل في الركعة الثانية كما فعل في الأولى ... " الحديث بطوله.

                                                الثالث: كذلك أيضا عن أبي بكرة بكار ، عن مؤمل بن إسماعيل القرشي ، عن سفيان الثوري ، عن يعلى بن عطاء ، عن أبيه، وعن عطاء بن السائب عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه" : من حديث العقدي ، عن سفيان ، عن يعلى بن عطاء ، عن أبيه، وعطاء بن السائب عن أبيه، جميعا عن عبد الله بن عمرو: "انكسفت الشمس على عهد رسول الله - عليه السلام - فأطال القيام حتى قيل: لا يركع، فركع فأطال الركوع حتى قيل: لا يرفع، ورفع فأطال حتى قيل: لا يسجد، ثم سجد حتى قيل: لا يرفع، ثم جلس فأطال الجلوس حتى قيل: لا يسجد، ثم سجد فأطال السجود، ثم رفع، وجعل في الأخرى مثل ذلك حتى انجلت الشمس" ثم قال: رواه مؤمل بن إسماعيل ، عن سفيان فزاد: "ثم رفع رأسه فأطال القيام حتى قيل: لا يركع، ثم ركع فأطال الركوع حتى قيل: لا يرفع".

                                                وأخرجه ابن خزيمة في "مختصره الصحيح" .

                                                [ ص: 335 ] الرابع: أيضا كذلك، عن علي بن شيبة بن الصلت ، عن قبيصة بن عقبة ، عن الثوري ... إلى آخره.

                                                وأخرجه الطبراني: من حديث شعبة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو قال: "كسفت الشمس، فصلى النبي - عليه السلام - ركعتين".

                                                الخامس: أيضا كذلك، عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن الحجاج بن إبراهيم الأزرق أبي محمد البغدادي نزيل طرسوس، وثقه أبو حاتم والعجلي وابن حبان، وروى له أبو داود والنسائي .

                                                وهو يروي عن خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان، روى له الجماعة.

                                                وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" : عن الثوري ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو: "أن النبي - عليه السلام - يوم كسفت الشمس -يوم مات إبراهيم ابنه- فقام بالناس فقيل: لا يركع، وركع فقيل: لا يرفع، ورفع فقيل: لا يسجد، وسجد فقيل: لا يرفع، وجلس فقيل: لا يسجد، وسجد فقيل: لا يرفع، ثم قام في الثانية ففعل مثل ذلك وتجلت الشمس".




                                                الخدمات العلمية