الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1767 1768 1769 1770 1771 1772 1773 1774 ص: ثم نظرنا، هل روى غير عائشة عنه في ذلك شيئا؟ فإذا إبراهيم بن أبي داود قد حدثنا، قال: ثنا أحمد بن يونس ، قال: ثنا عبد الملك بن الوليد بن معدان ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال: " ما أحصي ما سمعت رسول الله - عليه السلام - يقرأ في الركعتين قبل الفجر والركعتين بعد المغرب بـ قل يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد ".

                                                حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، قال: أنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مجاهد (ح).

                                                وحدثنا فهد ، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مجاهد ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: " رمقت النبي - عليه السلام - أربعا وعشرين مرة أو خمسا وعشرين مرة يقرأ في الركعتين قبل صلاة الغداة وفي الركعتين بعد المغرب بـ قل يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد ".

                                                [ ص: 128 ] حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد (ح).

                                                وحدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا سويد بن سعيد، قالا: ثنا مروان بن معاوية، قال: أنا عثمان بن حكيم الأنصاري ، قال: أنا سعيد بن يسار، أنه سمع عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - يقول: "كان رسول الله - عليه السلام - يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا الآية، وفي الثانية قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا عبد العزيز بن محمد، قال: ثنا عثمان بن عمر بن موسى ، قال: سمعت أبا الغيث يقول: سمعت أبا هريرة يقول: "سمعت رسول الله - عليه السلام - يقرأ في السجدتين قبل الفجر في السجدة الأولى قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وفي السجدة الثانية ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ".

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا عثمان بن موسى بن خلف العمي ، قال: ثنا أخي خلف بن موسى ، عن أبيه ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، قال: "كان رسول الله - عليه السلام - يقرأ في ركعتي يقرءون بـ قل هو الله أحد .

                                                حدثنا محمد بن إبراهيم بن يحيى بن جناد البغدادي ، قال: ثنا يحيى بن معين ، قال: ثنا عبد الله بن يزيد بن عبد الله بن أنيس الأنصاري، قال: سمعت طلحة بن خراش يحدث، عن جابر بن عبد الله: " أن رجلا قام فركع ركعتي الفجر فقرأ في الأولى قل يا أيها الكافرون حتى انقضت السورة، فقال النبي - عليه السلام -: هذا عبد آمن بربه، ثم قام فقرأ في الآخرة قل هو الله أحد حتى انقضت السورة،

                                                [ ص: 129 ] فقال رسول الله - عليه السلام -: هذا عبد قد عرف ربه.
                                                فقال طلحة: : فأنا أستحب أن أقرأ هاتين السورتين في هاتين الركعتين".


                                                ففي هذه الآثار في بعضها أنه قرأ قل يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد وفي بعضها أنه قرأ بغير ذلك، وليس في ذلك نفي أن يكون قد قرأ بفاتحة الكتاب مع ما قد قرأ به من ذلك، فقد ثبت بما وصفنا أن تخفيفه ذلك كان تخفيفا معه قراءة، وثبت بما ذكرنا من قراءته غير فاتحة الكتاب نفي قول من كره أن يقرأ فيهما غير فاتحة الكتاب، فثبت أنهما كسائر التطوع، وأنه يقرأ فيهما كما يقرأ في التطوع، ولم نجد شيئا من الصلوات التطوع لا يقرأ فيه بشيء ويقرأ فيه بفاتحة الكتاب خاصة.

                                                التالي السابق


                                                ش: أشار بهذا إلى أن القراءة في ركعتي الفجر رويت عن جماعة من الصحابة كما رويت عن عائشة - رضي الله عنهم -.

                                                وقد أخرج ذلك عن ستة منهم، وهم: عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وأبو هريرة ، وأنس بن مالك ، وجابر بن عبد الله .

                                                أما حديث عبد الله بن مسعود: فأخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن أحمد بن عبد الله بن يونس شيخ البخاري ، عن عبد الملك بن الوليد بن معدان البصري الضبعي قال أبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال ابن عدي: يروي أحاديث لا يتابع عليها، وقال ابن معين: صالح.

                                                وهو يروي عن عاصم بن بهدلة ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة ، عن ابن مسعود .

                                                وأخرجه الترمذي : ثنا أبو موسى محمد بن المثنى، قال: ثنا بدل بن المحبر، قال: ثنا عبد الملك بن معدان ، عن عاصم بن بهدلة ، عن أبي وائل ، عن عبد الله بن مسعود ... إلى آخره نحوه.

                                                [ ص: 130 ] وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الملك بن معدان ، عن عاصم .

                                                وأخرجه أبو يعلى في "مسنده" نحوه، ولكن ذكر موضع أبي وائل زر بن حبيش .

                                                وأما حديث عبد الله بن عمر: فأخرجه من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن محمد بن خزيمة ، عن عبد الله بن رجاء بن عمرو الغداني شيخ البخاري ، عن إسرائيل بن يونس ، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي ، عن مجاهد بن جبر المكي ، عن ابن عمر .

                                                وأخرجه الترمذي : ثنا محمود بن غيلان وأبو عمار، قالا: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال: "رمقت النبي - عليه السلام - شهرا فكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر بـ قل يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد ". قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن الإسناد.

                                                الثاني: عن فهد بن سليمان ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين ، عن إسرائيل بن يونس ... إلى آخره.

                                                وأخرجه النسائي : أنا الفضل بن سهل، قال: حدثني أبو الجواب، قال: حدثنا عمار بن رزيق ، عن أبي إسحاق ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال: "رمقت النبي - عليه السلام - عشرين مرة يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل الفجر قل يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد ".

                                                وأخرجه ابن ماجه : عن أحمد بن سنان ومحمد بن عبادة الواسطيين، عن أبي أحمد ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ... فذكر مثله.

                                                [ ص: 131 ] وأما حديث عبد الله بن عباس فأخرجه من طريقين صحيحين أيضا:

                                                الأول: عن ربيع بن سليمان المؤذن ، عن أسد بن موسى ، عن مروان بن معاوية بن الحارث الكوفي شيخ أحمد بن حنبل ، عن عثمان بن حكيم الأنصاري ، عن سعيد بن يسار -بالياء آخر الحروف- المدني مولى، ميمونة - رضي الله عنها -.

                                                وأخرجه مسلم : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: نا أبو خالد الأحمر ، عن عثمان بن حكيم ، عن سعيد بن يسار ، عن ابن عباس قال: "كان رسول الله - عليه السلام - يقرأ في ركعتي الفجر قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا والتي في آل عمران إلى كلمة سواء بيننا وبينكم الآية".

                                                وأخرجه أبو داود : عن أحمد بن يونس ، عن زهير ، عن عثمان بن حكيم ... إلى آخره.

                                                وأخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن سويد بن سعيد بن سهل الأنباري شيخ مسلم وابن ماجه ، عن مروان بن معاوية ، عن عثمان بن حكيم ... إلى آخره.

                                                وأخرجه النسائي : أخبرني عمران بن يزيد، قال: ثنا مروان بن معاوية الفزاري، قال: ثنا عثمان بن حكيم ... إلى آخره نحو رواية الطحاوي غير أن في لفظه: "في الأولى، منهما الآية التي في البقرة ... ".

                                                وأما حديث أبي هريرة: فأخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن سعيد بن منصور شيخ مسلم ، عن عبد العزيز بن محمد ، عن عثمان بن عمر بن موسى [ ص: 132 ] بن عبيد الله القرشي التيمي، وثقه ابن حبان -واستشهد به البخاري- واحتج به أبو داود .

                                                عن أبي الغيث سالم مولى ابن مطيع- مشهور باسمه وكنيته، روى له الجماعة.

                                                وأخرجه أبو داود: ثنا محمد بن الصباح، نا عبد العزيز بن محمد ، عن عثمان بن عمر -يعني ابن موسى- عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة: "أنه سمع النبي - عليه السلام - يقرأ في ركعتي الفجر قل آمنا بالله وما أنزل علينا وفي الركعة الآخرة بهذه الآية ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين أو إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم شك الدراوردي".

                                                وأما حديث أنس فأخرجه: عن إبراهيم بن أبي داود ، عن عثمان بن موسى بن خلف العمي -لم أقف على ترجمته وحاله- عن أخيه خلف بن موسى العمي البصري روى له النسائي ، عن أبيه موسى بن خلف العمي البصري، قال ابن معين: ليس به بأس. وروى له أبو داود .

                                                والثاني: عن قتادة ، عن أنس .

                                                وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا محمد بن المثنى وعمرو بن علي، قالا: نا خلف ابن موسى بن خلف، حدثني أبي، عن قتادة ، عن أنس: "أن النبي - عليه السلام - كان يقرأ في ركعتي الفجر قل يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد ".

                                                وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه: عن محمد بن إبراهيم بن يحيى بن جناد البغدادي البزاز يكنى أبا بكر، قال ابن عقدة: أبو بكر بن جناد عدل ثقة مأمون،

                                                [ ص: 133 ] مات بطريق مكة سنة ست وسبعين ومائتين. وفي "التكميل": روى عنه أبو داود في "المراسيل".

                                                وهو يروي عن يحيى بن معين الإمام المشهور، عن يحيى بن عبد الله بن يزيد بن عبد الله بن أنيس الأنصاري الأنيسي أبي زكرياء المدني، قال أحمد: لم يكن به بأس. ووثقه ابن حبان .

                                                عن طلحة بن خراش -بالخاء المعجمة- الأنصاري المدني، قال النسائي: صالح. وروى له الترمذي وابن ماجه .

                                                وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" من حديث طلحة بن خراش ، عن جابر بن عبد الله: "أن رجلا قام فركع ركعتي الفجر ... " إلى آخره نحوه.

                                                قوله: "ركع ركعتي الفجر" أي صلى ركعتي الفجر، أطلق الركوع وأراد به الصلاة، من قبيل ذكر الجزء وإرادة الكل.

                                                قوله: "هذا عبد آمن بربه" إنما قال ذلك عند قراءة قل يا أيها الكافرون لأنها تشتمل على نفي العبادة لغير الله تعالى، ونفي التوحيد عن غيره، فهذا هو عين الإيمان; ولذلك قال عند قراءة سورة قل هو الله أحد هذا عبد عرف ربه; لأنها تشتمل على صفات الله تعالى، فمن قرأها فقد عرف ربه بالوحدانية والصمدية، وبأن لا والد ولا ولد له، ولا كفء له ولا نظير وأنه فرد صمد أحد واحد، تعالى الله وتقدس.

                                                وقوله: "ففي هذه الآثار" أراد بها الأحاديث المذكورة عن هؤلاء الصحابة الستة - رضي الله عنهم -.

                                                قوله: "في بعضها" بالجر بدل من قوله: "ففي هذه الآثار" في محل الرفع على الابتداء. وقوله: "ففي هذه الآثار" مقدما خبره.

                                                [ ص: 134 ] قوله: "فثبت أنهما كسائر التطوع" أي الصلوات التي يتطوع بها.




                                                الخدمات العلمية