الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1926 ص: حدثنا أحمد بن الحسن الكوفي ، قال: ثنا أسباط بن محمد ، قال: ثنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، عن جابر بن عبد الله: " : أن الشمس انكسف يوم مات إبراهيم - عليه السلام - ابن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فصلى بالناس ... " ، فذكر مثل حديث ربيع ، عن أسد ، وزاد أن رسول الله - عليه السلام - قال: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم شيئا من ذلك فصلوا حتى تنجلي".

                                                التالي السابق


                                                ش: إسناده صحيح على شرط مسلم ، وأسباط بن محمد بن عبد الرحمن الكوفي روى له الجماعة، وعبد الملك بن أبي سليمان ميسرة العرزمي أبو محمد الكوفي روى له الجماعة البخاري مستشهدا، وعطاء هو ابن أبي رباح المكي .

                                                [ ص: 327 ] والحديث أخرجه مسلم : نا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: نا عبد الله بن نمير .

                                                ونا محمد بن عبد الله بن نمير -وتقاربا في اللفظ- قال: نا أبي، قال: نا عبد الملك ، عن عطاء عن جابر - رضي الله عنه - قال: "انكسفت الشمس في عهد رسول الله - عليه السلام - يوم مات إبراهيم بن رسول الله عليهما السلام، فقال الناس: إنما انكسفت لموت إبراهيم. فقام النبي - عليه السلام - فصلى بالناس ست ركعات بأربع سجدات، بدأ فكبر، ثم قرأ فأطال القراءة، ثم ركع نحوا مما قام، ثم رفع رأسه من الركوع فقرأ قراءة دون القراءة الأولى، ثم ركع نحوا مما قام، ثم رفع رأسه من الركوع فقرأ قراءة دون القراءة الثانية، ثم ركع نحوا مما قام، ثم رفع رأسه من الركوع، ثم انحدر بالسجود، فسجد سجدتين، ثم قام فركع أيضا ثلاث ركعات ليس فيها ركعة إلا التي قبلها أطول من التي بعدها، وركوعه نحوا من سجوده، ثم تأخر وتأخرت الصفوف خلفه حتى انتهينا -وقال أبو بكر: حتى انتهينا إلى النساء- ثم تقدم وتقدم الناس معه حتى قام في مقامه، فانصرف حين انصرف وقد أضاءت الشمس، وقال: يا أيها الناس، إنما الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس -وقال أبو بكر: لموت بشر- فإذا رأيتم شيئا من ذلك فصلوا حتى تنجلي ... " الحديث.

                                                وأخرجه أبو داود : نا أحمد بن حنبل، نا يحيى ، عن عبد الملك، نا عطاء ، عن جابر بن عبد الله قال: "كسفت الشمس على عهد رسول الله - عليه السلام -، وكان ذلك اليوم الذي مات فيه إبراهيم بن رسول الله - عليه السلام -، فقال الناس: إنما كسفت لموت إبراهيم، فقام النبي - عليه السلام -، فصلى بالناس ست ركعات في أربع سجدات، كبر ثم قرأ فأطال القراءة، ثم ركع نحوا مما قام، ثم رفع رأسه، فقرأ دون القراءة الأولى، ثم ركع نحوا مما قام، ثم رفع رأسه، فقرأ قراءة الثالثة دون القراءة الثانية، ثم ركع نحوا مما

                                                [ ص: 328 ] قام، ثم رفع رأسه فانحدر للسجود، فسجد سجدتين، ثم قام فركع ثلاث ركعات قبل أن يسجد، ليس فيها ركعة إلا التي قبلها أطول من التي بعدها إلا أن ركوعه نحو من قيامه، قال: ثم تأخر من صلاته، فتأخرت الصفوف معه، ثم تقدم فقام في مقامه وتقدمت الصفوف، فقضى الصلاة وقد طلعت الشمس، فقال: يا أيها الناس، إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله -عز وجل- لا ينكسفان لموت بشر، فإذا رأيتم شيئا من ذلك فصلوا حتى تنجلي ... "
                                                وساق بقية الحديث.

                                                قوله: "إبراهيم بن رسول الله عليهما السلام" أمه مارية القبطية، ولد في ذي الحجة سنة ثمان، وتوفي سنة عشر وهو ابن ثمانية عشر شهرا، هذا هو الأشهر، وقيل: ستة عشر شهرا، وقيل: سبعة عشر شهرا، وقيل: ستة عشر شهرا وثمانية أيام، وقيل: سنة وعشرة أشهر وستة أيام، وتوفي يوم الثلاثاء لعشر ليال خلت من ربيع الأول سنة عشر، وقد صحت الأحاديث أن الشمس كسفت يوم وفاته.

                                                فإن قيل: الكسوف في الشمس إنما يكون في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين في آخر الشهر العربي فكيف تكون وفاته في العاشر؟

                                                قلت: هذا التاريخ يحكي عن الواقدي، وهو ذكر ذلك بغير إسناد، وقد تكلموا فيما يسنده الواقدي، فكيف فيما يرسله؟!

                                                وقال البيهقي: باب "ما يدل على جواز الاجتماع للعيد وللخسوف لجواز وقوع الخسوف في العاشر"، ثم روى عن الواقدي ما ذكرناه من تاريخ وفاة إبراهيم .

                                                وقال الذهبي في "مختصر السنن": لم يقع ذلك، ولن يقع، والله قادر على كل شيء لكن امتناع وقوع ذلك كامتناع رؤية الهلال ليلة الثامن والعشرين من الشهر.

                                                قوله "آيتان" أي: علامتان.

                                                قوله: "لموت أحد" أي: لأجل موت أحد، وهذا رد لما قالوا: كسفت الشمس لموت إبراهيم. وقد كان صادف كسوفها يوم موته كما قلنا، ويقال: هذا رد لكلام

                                                [ ص: 329 ] الضلال من المنجمين وغيرهم أنهما لا ينكسفان إلا لموت عظيم أو لحدوث أمر عظيم ونحو ذلك.

                                                قوله: "ولا لحياته" أي: ولا ينكسفان لأجل حياته، وهي عبارة عن ولادة أحد.

                                                قوله: "تنجلي" أي: تنكشف.




                                                الخدمات العلمية