الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3570 1864 - (3580) - (1\377) عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إني أبرأ إلى كل خليل من خلته ، ولو كنت متخذا خليلا، لاتخذت أبا بكر خليلا، وإن صاحبكم خليل الله عز وجل".

التالي السابق


* قوله: "إني أبرأ": من برئ - بالكسر - بمعنى: تبرأ.

* "إلى كل خليل": أي: منهيا براءتي إلى كل من يزعم أني اتخذته خليلا، فلا يشمل عمومه الرب الجليل - سبحانه وتعالى - حتى يحتاج إلى الاستثناء.

* "من خلته": - بضم الخاء - أي: من اتخاذي إياه خليلا، وهذا هو المعنى الموافق للسوق، والخلة - بالضم - : الصداقة والمحبة التي تخللت قلب المحب، وتدعو إلى إطلاع المحبوب على سره، والخليل: فعيل منه، بمعنى: الصديق.

وقيل: هو من يعتمد عليه في الحاجة؛ فإن أصله الخلة - بالفتح - بمعنى: الحاجة.

* "لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا": معناه على الأول: لو جاز لي أن أتخذ صديقا من الخلق، تتخلل محبته في باطن قلبي، ويكون مطلعا على [ ص: 224 ] سري، لاتخذت أبا بكر، لكن محبوبي بهذه الصفة هو الله. وعلى الثاني: لو اتخذت من أراجع إليه في الحاجات، وأعتمد عليه في المهمات، لاتخذت أبا بكر، ولكن اعتمادي في جميع أموري على الله، وهو ملجئي وملاذي.

* "وإن صاحبكم خليل الله": الموافق للسوق بالنظر الجلي أن المراد: إن صاحبكم قد اتخذ الله خليلا، فليس له أن يتخذ غيره خليلا; احترازا عن الشركة، لكن المتبادر إلى الأفهام من اللفظ الموافق للسوق بدقيق النظر: هو أن الله قد اتخذ صاحبكم خليلا، فيجب عليه أن ينقطع إليه، فكيف يتخذ غيره خليلا؟! وعلى الثاني: يفهم من الحديث: أن الله تعالى قد اتخذ نبينا صلى الله عليه وسلم خليلا، كما اتخذه حبيبا، والخلة ليست مخصوصة بإبراهيم - عليه الصلاة والسلام - بل حاصلة لنبينا - صلوات الله وسلامه عليه - بأكمل وجه وأتمه.

بقي أن اتخاذ الله تعالى أحدا خليلا ليس بمستقيم بالمعنيين اللذين ذكرناهما، فيعتقد أنه بمعنى آخر مناسب لجنابه الأقدس - سبحانه وتعالى - .

ثم لا يخفى ما في الحديث من الدلالة على فضل الصديق، والله تعالى أعلم.

* * *




الخدمات العلمية